الإمام محمد الباقر (ع) *

الإمام الباقر (ع) في سطور

الاسم: محمد (ع) .

الأب: الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)  .

الأم: فاطمة بنت الإمام الحسن (ع) ، وهو هاشمي من هاشميين وعلوي من علويين .

الكنية: أبو جعفر.

الألقاب: الباقر، الشاكر، الهادي، الأمين، الشبيه ، الصابر، الشاهد(1).

الأوصاف: ربع القامة، دقيق البشرة، جعد الشعر، أسمر، له خال على خده، وخال أحمر في جسده، ضامر الكشح، حسن الصوت، مطرق الرأس(2).

نقش الخاتم: (العزة لله جميعاً) (3)، وقيل: إنه (ع) كان يتختم بخاتم جده الحسين (ع) ونقشه: (إن الله بالغ أمره) (4).

مكان الولادة: المدينة المنورة.

زمان الولادة: يوم الثلاثاء، وقيل يوم الجمعة، أول رجب ، وقيل: الثالث من صفر، سنة 57 هجري(5).

مدة العمر: 57 سنة.

مدة إمامته: 19 سنة، وقيل: 18 سنة(6).

وكان (ع) حاضراً في واقعة الطف وعمره 4 سنوات(7).

مكان الشهادة: المدينة المنورة.

زمان الشهادة: يوم الاثنين 7 / ذو الحجة / 114 هجري، وقيل: قبض في شهر ربيع الأول 114 هجري(8).

القاتل: إبراهيم بن الوليد بن يزيد(9).

وسيلة القتل: السم.

المدفن: البقيع الغرقد في المدينة المنورة.

وقد هدم الوهابيون قبره الشريف في 8 شوال 1344 هجرية(10).

 

أشبه الناس بالرسول الأعظم (ص)

عن رسول الله (ص) أنه قال: «إذا فارق الحسين (ع) الدنيا فالقائم بالأمر بعده علي ابنه، وهو الحجة والإمام، وسيخرج الله من صلب علي ابناً اسمه اسمي وعلمه علمي وحكمه حكمي، وهو أشبه الناس بي وهو الإمام والحجة بعد أبيه»(11) الحديث.

 

النبي الأكرم (ص) يقرؤه السلام

عن أبي عبد الله (ع) قال: «إن جابر بن عبد الله الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله (ص) ، وكان رجلاً منقطعاً إلينا أهل البيت، وكان يقعد في مسجد رسول الله (ص) وهو معتجر بعمامة سوداء، وكان ينادي: يا باقر العلم، يا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر.

فكان يقول: والله ما أهجر، ولكني سمعت رسول الله (ص) يقول: إنك ستدرك رجلاً مني، اسمه اسمي، وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقرا، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول.

قال: فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض المدينة إذا مر بطريق في ذاك الطريق كُتَّاب فيه محمد بن علي، فلما نظر إليه قال: يا غلام أقبل، فأقبل.

ثم قال له: أدبر، فأدبر.

ثم قال: شمائل رسول الله (ص) والذي نفسي بيده، يا غلام ما اسمك؟

قال: اسمي محمد بن علي بن الحسين.

فأقبل عليه يقبل رأسه ويقول: بأبي أنت وأمي، أبوك رسول الله (ص) يقرئك السلام»(12).

 

باقر العلوم

كان الإمام الباقر (ع) أعلم أهل زمانه، وقد استفاد من مدرسته العلمية آلاف من التلامذة، وقد عرّفهم الإمام (ع) علوم الإسلام وتفسير القرآن والأحكام الشرعية وسنة رسول الله (ص) وأهل بيته الطاهرين  (ع)  .

وقد اعترف بكثير علمه جميع المسلمين.

عن عمرو بن شمر قال: سألت جابر بن يزيد الجعفي فقلت له: ولم سُمّي الباقر باقراً؟

قال: لأنه بقر العلم بقراً، أي شقه شقاً وأظهره إظهاراً (13).

وفي الصواعق المحرقة: «أبو جعفر محمد الباقر سمّي بذلك: من بقر الأرض أي شقها وأثار مخبآتها ومكامنها؛ فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل فيه: هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة، وكفاه شرفا: أن ابن المديني روى عن جابر أنه قال له وهو صغير: رسول الله (ص) يسلم عليك، فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: كنت جالسا عنده والحسين في حجره وهو يداعبه، فقال: يا جابر يولد له مولود اسمه علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر فأقرئه مني السلام.

توفي (ع) سنة سبع عشرة عن ثمان وخمسين سنة مسموما كأبيه، وهو علوي من جهة أبيه وأمه، ودفن أيضا في قبة الحسن والعباس بالبقيع، وخلّف ستة أولاد»(14).

وكان (ع) علماً يضرب به الأمثال بكثرة علمه ويقال:

يا باقر العلم لأهـــــــل التقى

وخير من لبّى على الأجبل(15)

وعن عبد الله بن عطاء المكي أنه قال: ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين  (ع)  ، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه(16).

وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي (ع) شيئاً قال: حدثني وصي الأوصياء ووارث علوم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين  (ع)  (17).

وعن محمد بن مسلم أنه قال: ما شجرني في قلبي شيء قط إلا سألت عنه أبا جعفر (ع) ، حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث(18).

 

الذكر الدائم

كان الإمام الباقر (ع) قمة في العبادة والتقوى، والزهد عن الدنيا .

عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:

«كان أبي (ع) كثير الذكر لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول: لا إله إلا الله، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر»(19).

 

من أخلاقه (ع)

حسن المداراة

روى الشيخ الطوسي  (ره)  عن محمد بن سليمان عن أبيه قال:

كان رجل من أهل الشام يختلف إلى أبي جعفر (ع) وكان مركزه بالمدينة فكان يقول له: يا محمد، ألا ترى أني إنما أغشي مجلسك حياءً مني منك ولا أقول إن أحداً في الأرض أبغض إليّ منكم أهل البيت، وأعلم إن طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم، ولكن أراك رجلاً فصيحاً لك أدب وحسن لفظ، فإنما اختلافي إليك لحسن أدبك!.

وكان أبو جعفر (ع) يقول له خيراً، ويقول: لن تخفى على الله خافية.

فلم يلبث الشامي إلا قليلاً حتى مرض واشتدّ وجعه، فلما ثقل دعا وليه وقال له: إذا أنت مددت عليّ الثوب فأت محمد بن علي ? وسله أن يصلي عليّ، وأعلمه إني أنا الذي أمرتك بذلك.

قال: فلما أن كان في نصف الليل ظنوا أنه قد برد وسجوّه، فلما أن أصبح الناس خرج وليه إلى المسجد، فلما أن صلى محمد بن علي ? وتورّك، وكان إذا صلى عقب في مجلسه، قال له: يا أبا جعفر إن فلان الشامي قد هلك وهو يسألك أن تصلي عليه.

فقال أبو جعفر (ع) : «كلا إن بلاد الشام بلاد صرد والحجاز بلاد حر ولهبها شديد، فانطلق فلا تعجلنّ على صاحبك حتى آتيكم».

ثم قام (ع) من مجلسه فأخذ (ع) وضوءً، ثم عاد فصلى ركعتين ثم مد يده تلقاء وجهه ما شاء الله، ثم خر ساجداً حتى طلعت الشمس ثم نهض (ع) ، فانتهى إلى منزل الشامي فدخل عليه، فدعاه فأجابه، ثم أجلسه وأسنده ودعا له بسويق فسقاه وقال لأهله: «املئوا جوفه وبرّدوا صدره بالطعام البارد».

ثم انصرف (ع) فلم يلبث إلا قليلاً حتى عوفي الشامي، فأتى أبا جعفر (ع) فقال: أخلني، فأخلاه فقال: أشهد أنك حجة الله على خلقه وبابه الذي يؤتى منه، فمن أتى من غيرك خاب وخسر وضلّ ضلالاً بعيداً.

قال له أبو جعفر (ع) : «وما بدا لك؟».

قال: أشهد أني عهدت بروحي وعاينت بعيني فلم يتفاجأني إلا ومناد ينادي أسمعه بأذني ينادي وما أنا بالنائم: ردوا عليه روحه فقد سألنا ذلك محمد ابن علي (ع) .

فقال له أبو جعفر: «أما علمت أن الله يحب العبد ويبغض عمله، ويبغض العبد ويحب عمله» ـ أي إنك كنت مبغوضاً لدى الله لكن عملك وهو حبنا مطلوباً عنده تعالى ـ.

قال الراوي: فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر ? (20).

 

لا، أنا باقر

قال نصراني للإمام أبي جعفر الباقر (ع) : أنت بقر!.

قال: «أنا باقر».

قال: أنت ابن الطباخة.

قال: «ذاك حرفتها».

قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذية.

قال: «إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك».

فأسلم النصراني(21) ببركة أخلاقه (ع) .

 

قمة الجود والكرم

قال سفيان: ما لقينا أبا جعفر (ع) إلا وحمل الينا النفقة والصلة والكسوة، فقال: «هذه معدة لكم قبل أن تلقوني»(22).

 

استنفق هذه

وعن الحسن بن كثير قال: شكوت إلى أبي جعفر محمد بن علي (ع) الحاجة وجفاء الإخوان!.

فقال (ع) : «بئس الأخ أخ يرعاك غنياً ويقطعك فقيراً»، ثم أمر
غلامه فأخرج كيساً فيه سبعمائة درهم فقال: «استنفق هذه فإذا نفدت فأعلمني»(23).

 

من كراماته ومعاجزه (ع)

إحضار الميت

عن أبي عيينة قال: كنت عند أبي جعفر (ع) فدخل رجل فقال: أنا من أهل الشام أتولاكم وأبرأ من عدوكم وأبي كان يتولى بني أمية وكان له مال كثير ولم يكن له ولد غيري، وكان مسكنه بالرملة وكانت له جنينة يتخلّى فيها بنفسه، فلما مات طلبت المال فلم أظفر به ولا أشك أنه دفنه وأخفاه مني.

قال أبو جعفر (ع) : «أفتحب أن تراه وتسأله أين موضع ماله؟».

قال: إي والله إني فقير محتاج.

فكتب أبو جعفر (ع) كتاباً وختمه بخاتمه ثم قال: «انطلق بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع حتى تتوسطه، ثم تنادي: يا درجان يا درجان، فإنه يأتيك رجل معتم فادفع إليه كتابي وقل: أنا رسول محمد بن علي بن الحسين، فإنه يأتيك به فاسأله عما بدا لك».

فأخذ الرجل الكتاب وانطلق.

قال أبو عيينة: فلما كان من الغد أتيت أبا جعفر (ع) لانظر ما حال الرجل فإذا هو على الباب ينتظر أن يؤذن له، فأذن له فدخلنا جميعاً، فقال الرجل: الله يعلم عند من يضع العلم، لقد انطلقت البارحة وفعلت ما أمرت، فأتاني الرجل فقال: لا تبرح من موضعك حتى آتيك به، فأتاني برجل أسود فقال: هذا أبوك!.

قلت: ما هو أبي.

قال: بل غيره اللهب ودخان الجحيم والعذاب الأليم.

فقلت له: أنت أبي؟

قال: نعم.

قلت: فما غيّرك عن صورتك وهيئتك؟

قال: يا بني، كنت أتولى بني أمية وأفضلهم على أهل بيت النبي بعد النبي (ص) فعذبني الله بذلك، وكنت أنت تتولاهم فكنت أبغضك على ذلك، وحرمتك مالي فزويته عنك، وأنا اليوم على ذلك من النادمين، فانطلق يا بني إلى جنينتي فاحتفر تحت الزيتونة وخذ المال وهو مائة ألف وخمسون ألفاً، فادفع إلى محمد بن علي (ع) خمسين ألفاً والباقي لك.

ثم قال: فأنا منطلق حتى آخذ المال وآتيك بمالك.

قال أبو عيينة: فلما كان من قابل دخلت على أبي جعفر فقلت: ما فعل الرجل صاحب المال؟

قال: «قد أتاني بخمسين ألف درهم فقضيت منها ديناً كان عليّ وابتعت منها أرضاً بناحية خيبر، ووصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتي»(24).

 

الطعام واللبنة

عن قيس بن الربيع قال: كنت ضيفاً لمحمد بن علي (ع) وليس في منزله غير لبنة، فلما حضر العشاء قام فصلى وصليت معه، ثم ضرب بيده إلى اللبنة فأخرج منها مشعلاً ومائدة مستوى عليها كل حار وبارد، فقال: «كل».

فأكلت، ثم رفعت المائدة في اللبنة، فخالطني الشك حتى إذا خرج لحاجته قلّبت اللبنة فإذا هي لبنة صغيرة، فدخل (ع) وعلم ما في قلبي، فأخرج من اللبنة أقداحاً وكيزاناً وجرة فيها ماء فشرب وسقاني، ثم أعاد ذلك إلى موضعه وقال: «مثلك معي مثل اليهود مع المسيح (ع) حين لم يثقوا به»، ثم أمر اللبنة أن تنطق، فتكلمت(25).

 

التفاحة والحجر

عن جابر بن يزيد قال: خرجت مع أبي جعفر (ع) وهو يريد الحيرة، فلما أشرفنا على كربلاء قال لي: «يا جابر هذه روضة من رياض الجنة لنا ولشيعتنا، وحفرة من حفر جهنم لأعدائنا»، ثم قضى ما أراد والتفت إليّ وقال: «يا جابر».

قلت: لبيك.

قال لي: «تأكل شيئاً؟».

قلت: نعم.

فأدخل (ع) يده بين الحجار فأخرج لي تفاحة لم أشم قط رائحة مثلها
لا تشبه فاكهة الدنيا، فعلمت أنها من الجنة فأكلتها، فعصمتني عن الطعام أربعين يوماً لم آكل ولم أحدث(26).

 

الأعمى والرؤية

عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (ع) : أنا مولاك ومن شيعتك، ضعيف ضرير اضمن لي الجنة.

قال: «أو لا أعطيك علامة الأئمة؟».

قلت: وما عليك أن تجمعها لي؟

قال: «وتحب ذلك؟».

قلت: كيف لا أحب؟

فما زاد أن مسح (ع) على بصري، فأبصرت جميع ما في السقيفة التي كان فيها جالساً.

قال: «يا أبا محمد، مد بصرك فانظر ماذا ترى بعينيك».

قال: فوالله ما أبصرت إلا كلباً وخنزيراً وقرداً.

قلت: ما هذا الخلق الممسوخ؟

قال: «هذا الذي ترى هذا السواد الأعظم لو كشف الغطاء للناس ما نظر الشيعة إلى من خالفهم إلا في هذه الصور، ـ ثم قال: ـ يا أبا محمد إن أحببت تركتك على حالك هكذا وحسابك على الله، وإن أحببت ضمنت لك على الله الجنة ورددتك إلى حالتك الأولى».

قلت: لا حاجة لي إلى النظر إلى هذا الخلق المنكوس، ردني ردني، فما للجنة عوض.

فمسح (ع) يده على عيني فرجعت كما كنت(27).

 

شهادته (ع) وسببها

قُبض الإمام الباقر (ع) بالمدينة في ذي الحجة، وقيل: في شهر ربيع الأول، سنة (114هـ) وله (ع) من العمر سبع وخمسون سنة(28).

وقد سمه إبراهيم بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ودفن في البقيع الغرقد(29) حيث مزاره الآن وقد هدم الوهابيون تلك البقاع الطاهرة.

 

إقامة المأتم

روي أن أبا جعفر (ع) أوصى بثمانمائة درهم لمأتمه(30) وكان يرى ذلك من السُنة..

وروي أيضاً عن أبي عبد الله (ع) قال: قال لي أبي: «يا جعفر، أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى»(31).

 

أولاده (ع)

وأولاد الإمام الباقر (ع) سبعة: منهم جعفر الصادق وهو الإمام من بعده، وكان يكنى به، وعبد الله الأفطح، وعبد الله، وإبراهيم، وعلي، وأم سلمة، وزينب من أم ولد، وقيل: له (ع) ابنة واحدة هي أم سلمة(32).

 

درر من كلماته (ع)

الحلم والعلم

قال الإمام الباقر (ع) : «ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم»(33).

 

كل الكمال

وقال (ع) : «الكمال كل الكمال التفقه في الدين، والصبر على النائبة، وتقدير المعيشة»(34).

 

مكارم الدنيا والآخرة

وقال (ع) : «ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة: أن تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم إذا جهل عليك»(35).

 

الوصايا العظيمة

وقال (ع) في وصيته لجابر بن يزيد الجعفي: «يا جابر، اغتنم من أهل زمانك خمسا: إن حضرت لم تعرف، وإن غبت لم تفتقد، وإن شهدت لم تشاور، وإن قلت لم يقبل قولك، وإن خطبت لم تزوج.

وأوصيك بخمس: إن ظُلمت فلا تظلم، وإن خانوك فلا تخن، وإن كُذّبت فلا تغضب، وإن مدحت فلا تفرح، وإن ذممت فلا تجزع.

وفكّر فيما قيل فيك، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك، فسقوطك من عين الله جل وعز عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس، وإن كنت على خلاف ما قيل فيك، فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك.

واعلم بأنك لا تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك، ولو قالوا إنك رجل صالح لم يسرك ذلك.

ولكن أعرض نفسك على كتاب الله، فإن كنت سالكا سبيله، زاهدا في تزهيده، راغبا في ترغيبه، خائفا من تخويفه، فاثبت وأبشر؛ فإنه لا يضرك ما قيل فيك.

وإن كنت مباينا للقرآن، فماذا الذي يغرك من نفسك؟ إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها، فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش، ويقيل الله عثرته فيتذكر ويفزع إلى التوبة والمخافة، فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف، وذلك بأن الله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ)(36).

يا جابر، استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصا إلى الشكر، واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراء على النفس وتعرضا للعفو، وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم، واستعمل حاضر العلم بخالص العمل، وتحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ، واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف، واحذر خفي التزين بحاضر الحياة، وتوق مجازفة الهوى بدلالة العقل، وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم، واستبق خالص الأعمال ليوم الجزاء، وانزل ساحة القناعة باتقاء الحرص، وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة، واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل، واقطع أسباب الطمع ببرد اليأس، وسد سبيل العجب بمعرفة النفس، وتخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض، واطلب راحة البدن بإجمام القلب، وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطأ، وتعرّض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات، واستجلب نور القلب بدوام الحزن، وتحرز من إبليس بالخوف الصادق، وإياك والرجاء الكاذب؛ فإنه يوقعك في الخوف الصادق، وتزين لله عز وجل بالصدق في الأعمال، وتحبب إليه بتعجيل الانتقال، وإياك والتسويف؛ فإنه بحر يغرق فيه الهلكى، وإياك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب، وإياك والتواني فيما لا عذر لك فيه فإليه يلجأ النادمون، واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم وكثرة الاستغفار، وتعرّض للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء والمناجاة في الظلم، وتخلص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق واستقلال كثير الطاعة، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر، والتوسل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم، واطلب بقاء العز بإماتة الطمع، وادفع ذل الطمع بعز اليأس، واستجلب عز اليأس ببعد الهمة، وتزود من الدنيا بقصر الأمل، وبادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة، ولا إمكان كالأيام الخالية مع صحة الأبدان، وإياك والثقة بغير المأمون فإن للشر ضراوة كضراوة الغذاء.

واعلم، أنه لا علم كطلب السلامة، ولا سلامة كسلامة القلب، ولا عقل كمخالفة الهوى، ولا خوف كخوف حاجز، ولا رجاء كرجاء معين، ولا فقر كفقر القلب، ولا غنى كغنى النفس، ولا قوة كغلبة الهوى، ولا نور كنور اليقين، ولا يقين كاستصغارك الدنيا، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك، ولا نعمة كالعافية، ولا عافية كمساعدة التوفيق، ولا شرف كبعد الهمة، ولا زهد كقصر الأمل، ولا حرص كالمنافسة في الدرجات، ولا عدل كالإنصاف، ولا تعدي كالجور، ولا جور كموافقة الهوى، ولا طاعة كأداء الفرائض، ولا خوف كالحزن، ولا مصيبة كعدم العقل، ولا عدم عقل كقلة اليقين، ولا قلة يقين كفقد الخوف، ولا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف، ولا مصيبة كاستهانتك بالذنب ورضاك بالحالة التي أنت عليها، ولا فضيلة كالجهاد، ولا جهاد كمجاهدة الهوى، ولا قوة كرد الغضب، ولا معصية كحب البقاء، ولا ذل كذل الطمع.

وإياك والتفريط عند إمكان الفرصة، فإنه ميدان يجري لأهله بالخسران»(37).

 

أصبحت محزونا

وقال (ع) لجابر يوماً: «أصبحت والله يا جابر محزونا مشغول القلب».

فقلت: جعلت فداك، ما حزنك وشغل قلبك كل هذا على الدنيا؟

فقال (ع) : «لا يا جابر، ولكن حزن هم الآخرة.

يا جابر، من دخل قلبه خالص حقيقة الإيمان شغل عما في الدنيا من زينتها، إن زينة زهرة الدنيا إنما هو لعب ولهو، (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان)(38).

يا جابر، إن المؤمن لا ينبغي له أن يركن ويطمئن إلى زهرة الحياة الدنيا.

واعلم أن أبناء الدنيا هم أهل غفلة وغرور وجهالة، وأن أبناء الآخرة هم المؤمنون العاملون الزاهدون، أهل العلم والفقه، وأهل فكرة واعتبار واختبار، لايملون من ذكر الله.

واعلم يا جابر، إن أهل التقوى هم الأغنياء، أغناهم القليل من الدنيا، فمئونتهم يسيرة، إن نسيت الخير ذكروك، وإن عملت به أعانوك، أخروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم، وقدموا طاعة ربهم أمامهم، ونظروا إلى سبيل الخير وإلى ولاية أحباء الله فأحبوهم وتولوهم واتبعوهم، فأنزل نفسك من الدنيا كمثل منزل نزلته ساعة ثم ارتحلت عنه، أو كمثل مال استفدته في منامك ففرحت به وسررت، ثم انتبهت من رقدتك وليس في يدك شيء؛ وإني إنما ضربت لك مثلا لتعقل وتعمل به إن وفقك الله له.

فاحفظ يا جابر ما أستودعك من دين الله وحكمته، انصح لنفسك وانظر ما الله عندك في حياتك، فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك، وانظر فإن تكن الدنيا عندك على غير ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم، فلرب حريص على أمر من أمور الدنيا قد ناله، فلما ناله كان عليه وبالا وشقي به، ولرب كاره لأمر من أمور الآخرة قد ناله فسعد به»(39).

 

لا تقل هكذا

عن الإمام الصادق (ع) قال: كان رجل جالساً عند أبي فقال: «اللهم أغننا عن جميع خلقك.

فقال له أبي (ع) : لا تقل هكذا، ولكن قل: أغننا عن شرار خلقك؛ فإن المؤمن لا يستغني عن أخيه»(40).

 

السعي في حوائج الأخوان

وقال (ع) : «ما من عبد يمتنع من معونة أخيه المسلم والسعي له في
حاجته قضيت أو لم تقض إلا ابتلي بالسعي في حاجة من يأثم عليه ولايؤجر»(41).

 

نتيجة البخل

وقال (ع) : «ما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما رضي الله، إلا أُبتلي أن ينفق أضعافاً فيما يسخط الله»(42).

 

أوصاف الشيعة

وقال (ع) لجابر: «يا جابر، أيكتفي من انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشّع، وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء».

فقال جابر: يا ابن رسول الله لست أعرف أحداً بهذه الصفة.

فقال (ع) : «يا جابر لا يذهبن بك المذاهب، أحسب الرجل أن يقول: أحب علياً (ع) وأتولاه؟‍! فلو قال: إني أحب رسول الله (ص) ورسول الله خير من علي (ع) ثم لا يعمل بعمله ولا يتبع سنته ما نفعه حبه إياه شيئاً، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم له، وأعملهم بطاعته، والله ما يتقرب إلى الله جل ثناؤه إلا بالطاعة، ما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، لا تنال ولايتنا إلا بالورع والعمل»(43).

 

الصدقة

وقال (ع) : «الصدقة يوم الجمعة تضاعف، لفضل الجمعة على غيره من الأيام»(44).

* هذا المقطع هو الفصل السابع من كتاب (نبذة عن حياة المعصومين) للمؤلفة والدة السيد محمد حسين الشيرازي، أخذناه من موقع 14 معصوم.

(1) راجع كشف الغمة: ج2 ص117 وأما اسمه، دلائل الإمامة: ص94 معرفة ولادة أبي جعفر محمد الباقر بن علي (ع) .

(2) المناقب: ج4 ص210 فصل في أحواله وتاريخه (ع) .

(3) راجع تهذيب الأحكام: ج1 ص31-32 ب3 ح22.

(4) راجع الكافي: ج6 ص474 باب نقش الخواتيم ح8.

(5) المناقب: ج4 ص210 فصل في أحواله وتاريخه (ع) .

(6) المناقب: ج4 ص210 فصل في أحواله وتاريخه (ع) .

(7) بحار الأنوار: ج46 ص216 ب1 ح15.

(8) دلائل الإمامة: ص94، معرفة ولادة أبي جعفر محمد الباقر (ع) ، وروضة الواعظين: ج1 ص207 مجلس في ذكر إمامة أبي جعفر (ع) .

(9) دلائل الإمامة: ص94 معرفة ولادة أبي جعفر محمد الباقر (ع) .

(10) انظر كتاب (البقيع الغرقد) للإمام الشيرازي (قدس سره).

(11) انظر بحار الأنوار: ج36 ص339 ب41 ح201، وص340 ح204، وص360 ح230.

(12) الكافي: ج1 ص469-470 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي (ع) ح2.

(13) علل الشرائع: ج1 ص233 ب168 ح1.

(14) الصواعق المحرقة: ص 201 نشر مكتبة القاهرة، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، ط2 عام 1385هـ 1965م.

(15) انظر الإرشاد: ج2 ص157 باب ذكر الإمام بعد علي بن الحسين (ع) .

(16) بحار الأنوار: ج46 ص286 ب6 ح2.

(17) إعلام الورى: ص269 الركن الثالث ب4 ف4.

(18) الاختصاص: ص201 ما روي في محمد بن مسلم.

(19) الكافي: ج2 ص498-499 باب ذكر الله عزوجل كثيراً ح1.

(20) بحار الأنوار: ج46 ص233-234 ب5 ح1.

(21) المناقب: ج4 ص207 فصل في معالي أموره (ع) .

(22) بحار الأنوار: ج46 ص287-288 ب6 ح6.

(23) الارشاد: ج2 ص166 باب ذكر الإمام بعد علي بن الحسين  (ع)  .

(24) الخرائج والجرائح: ج2 ص597-598 ب14 فصل في أعلام الإمام محمد بن علي الباقر (ع) .

(25) دلائل الإمامة: ص95-96 ذكر معجزاته (ع) .

(26) دلائل الإمامة: ص97 ذكر معجزاته (ع) .

(27) الخرائج والجرائح: ج2 ص821-822 ب16 في نوادر المعجزات.

(28) إعلام الورى: ص264 الركن الثالث ب4 ف1.

(29) انظر بحار الأنوار: ج46 ص217 ب1 ح19.

(30) راجع الكافي: ج3 ص217 باب ما يجب على الجيران لأهل المصيبة واتخاذ المأتم ح4.

(31) تهذيب الأحكام: ج6 ص358 ب93 ح146.

(32) انظر المناقب: ج4 ص210 فصل في أحواله وتاريخه (ع) .

(33) الإرشاد: ج2 ص167 باب ذكر الإمام بعد علي بن الحسين (ع) ..

(34) الكافي: ج1 ص32 باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ح4.

(35) بحار الأنوار: ج75 ص173 ب22 ضمن ح5.

(36) سورة الأعراف: 201.

(37) تحف العقول: ص284-286 وصيته (ع) لجابر بن يزيد الجعفي.

(38) سورة العنكبوت: 64.

(39) بحار الأنوار: ج75 ص165-166 ب22 ح2.

(40) مستدرك الوسائل: ج5 ص263 ب55 ح5830.

(41) تحف العقول: ص293 ما روي عنه (ع) في قصار المعاني.

(42) الاختصاص: ص242 حديث في زيارة المؤمن لله.

(43) الأمالي للشيخ الصدوق: ص625-626 المجلس 91 ح3.

(44) ثواب الأعمال: ص185 ثواب الصدقة يوم الجمعة.

 

الصفحة الرئيسية

للأعلى