الصفحة الرئيسية

ما هو الجديد

اتصل بنا

 

التاريخ الأمين لمدينة سيدالمرسلين صلى الله عليه و آله و سلم

ملاحظة

لقد اقتبسنا من هذا الكتاب الضخم الصفحات اللصيقة الصلة بموضوع الموقع، ونقلناها نصاً من دون تصرف، وأشرنا إلى صفحات النسخة الأصلية. کما ان هذا الموقع يعنى بالبقيع ويسعى لنقل كل معلومة عنه، وكل ما كتب أو قيل بشأنه _ سلباً أو إيجاباً _ وعرضه بين يدي المراجعين والباحتين، ومن ثم فإن الموقع لايتبنى بالضرورة كل ما يرد فيه من آراء وأقوال.

( من صفحة 356 الى 371)

روضة البقيع

تعتبر مقبرة البقيع من المعالم والآثار الإسلامية المهمة والمقدسة عند المسلمين، وذلك لما حوته من قبور أئمة أهل البيت عليهم السلام و قبور الكثير من الصحابة الاجلاء رضي الله عنهم، وكذلك لما أولته الشريعة الإسلامية من الإهتمام بها واعطائها مكانة متميزة وخاصة من بين المقابر الإسلامية، وهذا ما سوف نشير إليه في مشروعية زيارة‌ القبور والبناء عليها. وعليه فإن المؤرخين اهتموا بهذه المقبرة التاريخية والإسلامية اهتماماً بالغاً في كتبهم، ولسوف نسلط الضوء من خلال هذا البحث علي ما يتعلق بهذه المقبرة الإسلامية العظيمة والكبيرة، وذلك من خلال مجريات التاريخ عليها.

تقع روضة‌ مقبرة البقيع في قلب ووسط المدينة المنورة وهي مجاورة لحرم النبي صلي الله عليه وآله، وتقع في الجهة الشرقية لمسجد النبي صلي الله عليه وآله حيث ان الخارج من باب جبرائيل عليه السلام من حرم النبي صلي الله عليه وآله من أبوابه الشرقية تكون مقبرة البقيع مقابلاً له. ولقد جعل للبقيع ثلاث أبواب: فالباب الأول يقع في شرقه، والثاني في الجهة الشمالية، والثالث في غربه وهي البوابة الرئيسية فيه وهي التي تكون دائماً مفتوحة ويتم من خلالها إدخال جنائز الموتي ودخول الوافدين لزيارة قبور أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله واصحابه المنتجبين.

جاء في كتاب لسان العرب لابن منظور في تعريف بقيع الفرقد، قال: والبقيع: موضع فيه أروم شجر من ضروب شتي،‌ وبه سمي بقيع الفرقد، وقد ورد في الحديث، وهي مقبرة بالمدينة. والفرقد: شجر له شوك كان ينبت هناك، فذهب وبقي الإسم لازماً للموضوع، والبقيع من الارض المكان المتسع، ولا يسمي بقيعاً إلا وفيه شجر(1).

قال ياقوت الحموي: وهي مقبرة أهل المدينة، وقال: قال عمرو بن النعمان البياضي: وكانوا قد دخلوا حديقة من حدائقهم في بعض حروبهم واغلقوا بابها عليهم، ثم اقتتلوا فلم يفتح الباب حتي قتل بعضهم بعضاً(2).

أقول: والذي يظهر من هذه الحادثة ان مقبرة البقيع كانت في الاصل حديقة وذلك في عصر الجاهلية، وقال ابن الاثير في الكامل في التاريخ ص 676 ج1: فلما قتلت الأوس الغلمان جمعت الخزرج وحشدوا والتقوا بالحدائق.

قال العلامة المجلسي رحمه الله: أول من دُفن في البقيع من المهاجرين عثمان بن مظعون، وأول من مات من الانصار هو أسعد بن زرارة وهو أحد النقباء(3).

قال السمهودي: وعن شيخ من بني مخزوم يدعي عمر قال: كان عثمان بن مظعون أول من مات من المهاجرين، فقالوا: يا رسول الله أين ندفنه؟ قال: بالبقيع، قال: فلحد له رسول الله صلي الله عليه وآله، وفضل حجر من حجارة لحده فحمله رسول الله صلي الله عليه وآله فوضعه عند رجليه. فلما ولي مروان بن الحكم المدينة مر علي ذلك الحجر، فأمر به فرمي به وقال: والله لا يكون علي قبر عثمان بن مظعون حجر يعرف به، فأتته بنو أمية فقالوا: بئس ما صنعت عمدت إلي حجر وضعه النبي صلي الله عليه وآله فرميت به بئس ما عملت، فمر به فليرد، قال: أما والله، إذ رميت به فلا يرد!(4).

وقال السمهودي أيضاً في بيان المشاهد المعروفة اليوم بالبقيع وغيره من المدينة الشريفة: اعلم إن أكثر الصحابة كما قال المطري ممن توفي في حياة النبي صلي الله عليه وآله وبعد وفاته مدفونون بالبقيع، وكذلك سادات أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسادات التابعين. وقال أيضاً: وفي مدارك عياض عن مالك، انه مات بالمدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف وباقيهم تفرقوا في البلدان.

وقال السمهودي ايضاً: من باب البقيع قبل المشهد المنسوب لعقيل بن أبي طالب وأمهات المؤمنين تحوي العباس بن عبدالمطلب عم الرسول والحسن بن علي و من تقدم ذكره معه ـ قصد بذلك الإمام زين العابدين والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق عليهم السلام ـ .

وقال السمهودي: وعليهم قبة شامخة في الهواء. قال ابن النجار: وهي كبيرة عالية قديمة البناء، وعليها بابان يفتح أحدهما في كل يوم.

قال السمهودي: ان المطري قال: بناها الخليفة الناصر أحمد بن المستضيء.

وقال السمهودي أيضاً في نفس المصدر في ص 905: انه قال المسعودي في مروج الذهب: إن ابا عبدالله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله تعالي عنهم توفي سنة ثمان وأربعين ومائة ودفن بالبقيع مع أبيه وجده. قال: وعلي قبورهم في هذا الموضع من البقيع رخامة عليها مكتوب: «بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مبيد الأمم ومحي الرمم، هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله سيدة نساء ‌العالمين وقبر الحسن بن علي وعلي بن الحسين وقبر محمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام»(5).

وقال صاحب كتاب آثار المدينة المنورة: وفي البقيع عشرة آلاف صحابي(6).

وكما دفن في البقيع فاطمة بنت أسد أم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام جوار الأئمة الأربعة سلام الله عليهم.

قال السمهودي: وفي الكبير والأوسط بسند فيه روح بن صلاح وثّقة ابن حباب،‌ والحاكم. وبقية رجاله رجال الصحيح: عن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد، دخل عليها رسول الله صلي الله عليه وآله فجلس عند رأسها فقال: رحمك الله يا أمي بعد أمي. وذكر ثناءه عليها وتكفينها ببرده، إلي ان قال:‌ فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلي الله عليه وآله بيده وأخرج ترابه بيده، فلما فرغ دخل رسول الله صلي الله عليه وآله فاضطجع فيه ثم قال:‌ الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت، إغفر لأمي فاطمة‌ بنت أسد ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي؛ فإنك أرحم الراحمين(7).

وقال السمهودي أيضاً: توفيت صفية بنت عبدالمطلب فدفنت في آخر الزقاق الذي يخرج إلي البقيع(8).

قال المجلسي في البحار: وفيها ـ أي في سنة حجة الوداع ـ توفي ابراهيم ابن رسول الله صلي الله عليه وآله. ولد في ذي الحجة من سنة ثمان وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بالبقيع(9).

قال السمهودي في وفاء الوفاء ص 893 ج2: وعن قدامة، قال: دفن رسول الله صلي الله عليه وآله ابراهيم ابنه إلي جنب عثمان بن مظعون، وقبره حذاء زاوية دار عقيل بن أبي طالب من ناحية دار محمد بن زيد.

وكما دفن في روضة البقيع مشاهير من الصحابة الأجلاء.

قال السمهودي في وفاء‌ الوفاء ص 911 ج2: وقبر عقيل بن أبي طالب أخي علي رضي الله تعالي عنهما في قبة أول البقيع، ومعه في القبر ابن أخيه عبدالله بن جعفر الطيار بن أبي طالب رضي الله تعالي عنهما.

وكما انه دفنت في البقيع فاطمة أم البنين بنت حزام الكلابية زوجة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام.

كما ذكر السمهودي في كتابه وفاء الوفاء ان قبر أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب في البقيع(10).

قال السمهودي: وفي أقصي البقيع أبو سعيد الخدري رضي الله عنه(11). وقال:‌ والقبة في مشهده الإمام مالك في ركنه المشرقي الشمالي(12).

وذكر السمهودي مشاهد مهمة كانت تقع بين حرم النبي والبقيع ثمّ اُزيلت.

أقول: وأنا شاهدت بعضاً منها قبل هدمها.

قال السمهودي: ومشهد اسماعيل بن جعفر الصادق وهو كبير يقابل مشهد العباس في المضرب، وهو ركن سور المدينة اليوم من القبلة والمشرق، بُني قبل السور، فاتصل السور به فصار بابه من داخل المدينة، قال المطري: بناه بعض العبيديين من ملوك مصر.

قال السمهودي: علي باب المشهد الاوسط الذي أمامه الرحبة التي بها البئر التي يتبرك بها، حجر فيه أن حسين بن أبي الهيجاء عمره سنة ست وأربعين وخمسمائة، ولعل المطري نسب ذلك لبعض العبيديين.

قال المطري: ويقال: إن عرصة هذا المشهد وما حوله من جهة الشمال إلي الباب كانت دار زين العابدين، وبجانب المشهد الغربي مسجد صغير مهجور يقال: إنه مسجد زين العابدين عليه السلام.

قال السمهودي: علي يمين الداخل إلي المشهد بين الباب الأوسط والأخير حجر منقوش فيه وقف الحديقة التي بجانب المشهد في المغرب علي المشهد، وقفها ابن أبي الهيجاء، ونسبة المسجد الذي بطرف الحديقة بجانب المشهد لزين العابدين، وان عرصة المشهد داره، وان بئره تلك يتداوي بها، ويقال: إن ابنه محمد الباقر سقط بها وهو صغير وزين العابدين يصلي، فلم يقطع صلاته(13).

وقال السمهودي أيضاً: وقد جدد مسجد زين العابدين سنة اربع وثمانمائة(14).

أمّا موضوع قبر فاطمة عليها السلام فقد قال الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان ص 317: واختلف في موضع قبرها فقال قوم: هي مدفونة في الروضة أي ما بين القبر والمنبر، وقال آخرون: في بيتها، وقالت فرقة ثالثة: انها مدفونة بالبقيع، والذي عليه أكثر أصحابنا انها تزار من عند الروضة. ومن زارها في هذه الثلاثة مواضع كان أفضل.

أقول: لقد جرح الإسلام جرحاً بالغاً وأليماً، واسود وجه التاريخ في ذلك اليوم الأليم، وذلك حينما اشتبهت وعجلت وأقدمت الفرقة علي هدم آثار الإسلام التي يتبرك بها المسلمون، مما بقي من آثار يلتمس منها بركات النبي وأهل بيته وأصحابه، والمعنويات العالية التي تذكرنا بعزة الإسلام وبأيامه المجيدة، والتي تذكرنا بالسلف الصالح الذين هم لنا ولأجيالنا اسوة حسنة نكتسب من سيرتهم الإسلامية، والتي حثت علي احترام تلك الآثار والحفاظ عليها الشريعة الإسلامية، وحثت أيضاً علي العبادة عندها والتبرك بقبور أصحابها، وهذا ما سوف نشير ونستدل عليه في مشروعية زيارة القبور والبناء عليها.

وعليه فلقد كان في هدم البقيع أثر بالغ في نفس كل مسلم وتقطّع معه قلب كل مسلم وتقطّع معه قلب كل مسلم محب للآثار الإسلامية التي نباهي بها أمم الإلحاد والشرك.

أجل لقد ارتكبت الفرقة خطأً كبيراً وذلك في تجرئها علي هدم قباب قبور أهل البيت والصحابة في البقيع وباقي الآثار الإسلامية، وذلك عام 1343 هجرية. وكل ذلك تقصير منها ودون تروي وتأني ولعدم الانفتاح علي المذاهب الإسلامية. وحينما ننظر إلي باقي الآثار والمعالم الإسلامية في باقي المناطق الإسلامية، نراها خالدة وباقية، ونري علماء المسلمين يزورونها ويحثون المسلمين والزائرين علي زيارتها والتوسل والدعاء وطلب الشفاعة والصلاة عندها، ويحثون دائماً علي الحفاظ عليها من التلف.

قال الشيخ محمد حسين المظفر: في الثامن من شوال هدم القباب الشريفة وجعل الضرائح أرضاً بسيطة، وجعلت الشيعة هذا اليوم يوم حزن مشهود وإلي اليوم تقام فيه الذكري لهذه المأساة.

قال المظفر في شعره:

لمن أبقيت وكاف الدموع                    أما تبكيك فاجعة البقيع(15)

قال عبدالله بن حسن باشا صاحب كتاب صدق الخبر: القارعة وما أدراك ما القارعة؟ يوم انخلعت بفاجعت البقيع قلوب المؤمنين واقشعرت لها جلود العالمين وارتعشت بها فرائض الإسلام وطاشت لها عقول الأنام، قارعة يا لها من قارعة عصفت في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه، فنسفت ضراح الإمامة وطمست ضرائح القدس والكرامة ونقضت محكمة التنزيل ومطاف جبرائيل وميكائيل.

قال: إ نّ الفرقة أجبروا كثيراً من الناس علي مساعدتهم ومعهم الرفوش والفؤوس، فهدموا جميع ما في المعلي من آثار الصالحين وكانت كثيرة، ثم هدموا قبة مولد النبي صلي الله عليه وآله ثم مولد أبي بكر، والمشهور بمولد سيدنا علي عليه السلام، وقبة السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، وتتبعوا جميع المواضع التي فيها آثار الصالحين، وهم في أثناء هدمهم يضربون الطبول ويرتجزون مبالغين في شتم القبور التي هدموها، ولم تمض ثلاثة ايام إلاّ وقد محوا عموم تلك الآثار المباركة ولم يتركوا منها شيئاً. وقال: ان الفرقة نهبت كل ما كان في الحجرة النبوية من التحف والأموال والمجوهرات ذات الأثمان العظيمة، وطردوا قاضي مكة وقاضي المدينة ومنعوا الناس من زيارة النبي صلي الله عليه وآله(16).

قال صاحب كتاب مرآة الحرمين: ابراهيم رفعت باشا المصري في كتابه ص 452 ج 1: وقد كان الملوك والأمراء في الأعصار المختلفة يتسابقون في الهدايا إلي المسجد، وكثيراً ما سلبها قوم لينتفعوا بها في مصالحهم الشخصية. وفي القبة التي كانت بصحن المسجد من النقود والقناديل والسبائك، وكذلك فعلت (الفرقة) لما استولوا علي القطر الحجازي وتملكوا المدينة سنة 1221 هـ وهدموا القباب التي بالبقيع وغيره، وقد فرق ما أخذوه علي المجاهدين وهودي منه بعض الملوك.

قال الخليلي: ان الرحالتين: بورخارت والسر ريتشارد قالا: لم يحدث هذا بفعل الزمن وعوارض الطبيعة بل صنعته يد الإنسان عن عمد وتقصد، فقد هدمت وأخفت عن الانظار القباب البيضاء التي كانت تدل علي قبور آل البيت النبوي في السابق، وقبر الخليفة الثالث عثمان وقبر الإمام مالك وغيرهم، ولاقي أصحاب القبور الأُخري نفس المصير فسحقت وهشمت حتي الاقفاص المصنوعة من أعواد الجريد التي كانت تغطي قبور الفقراء من الناس قد عزلت جانباً أو أحرقت.

ويقول المستر رتر: وحينما توغلنا في داخل المقبرة‌ لمشاهدة الأكوام التي تدل في يومنا هذا علي قبور المسلمين الأوائل الذين صنعوا التاريخ الحافل،‌ سمعت دليلي عامداً يكرر بهمس: استغفر الله أستغفر الله لا حول ولا قوة إلاّ بالله.

وكان القلة ممن بقي من سدنة القبور التي بقيت معالمها شاخصة للعيان، يقفون أو يجلسون بجنبها بأوجه غير معبرة ومن دون ان تبدر منهم أية حركة، لكن بعض النخاولة كانوا لا يزالون منشغلين في التقاط بعض القطع الصالحة للإستعمال من الخشب وغيره من بين الخرائب والانقاض، وليس بوسع هؤلاء النخاولة في العادة ان يدفنوا موتاهم بين الأولياء‌ في البقيع، لكنهم قاموا الآن تحت اشراف (الفرقة) بتهديم القبور(17).

أقول:‌ والذي علمناه بالسؤال ممن عاصر تلك الفاجعة، أنّ النخاولة الموالين لأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله قد أجبروا بالقسر والقهر تحت التهديد علي هدم القبور، فبعد أن حصلت الكارثة والفاجعة العظيمة قام المحبين الشيعة لأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله، النخاولة، بأخذ ما تهدم من تلك الآثار المقدسة والمباركة للتبرك بها وللحفاظ عليها.

قال جعفر الخليلي في كتابه العتبات المقدسة ص 102: واتسعت رقعة البقيع وعظم شأنها حتي قيل ان عدد الذين دفنوا فيها من الصحابة كان عشرة آلاف صحابي، والظاهر ان هذه المقبرة ظلت عامرة بأضرحتها وأبنيتها الضخمة والقبب القائمة علي مدافن المشاهير والأعلام حتي قيام (الفرقة) التي كان من مذهبها تسوية القبور بالأرض، فسويت تلك الأضرحة والمدافن.

وقد ذكر السيد محسن الأمين العاملي رحمه الله في كتاب كشف الارتياب المعالم والأماكن المقدسة التي خرّبوها وأزالوها، قال: هدمت (الفرقة) القباب والمزارات بالحجاز عام 1343 هـ. وقال: ولمّا دخلت (الفرقه) إلي الطائف هدموا قبة ابن عباس كما فعلوا في المرة الأولي. ولما دخلوا مكة المكرمة هدموا قباب عبدالمطلب جد النبي صلي الله عليه وآله وأبي طالب عمه عليه السلام وخديجة أم المؤمنين عليها السلام وخربوا مولد النبي صلي الله عليه وآله ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام.

ولما دخلوا جدة هدموا قبة حواء سلام الله عليها، وهدموا جميع ما بالمدينة ونواحيها من القباب والاضرحة والمزارات، فهدموا قبة أئمة أهل البيت بالبقيع ومعهم العباس عم النبي صلي الله عليه وآله وجدرانها وأزالوا الصندوق والقفص الموضوعين علي قبورهم، وهدموا قباب عبدالله وآمنة أبوي النبي صلي الله عليه وآله وازواجه وعثمان بن عفان واسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام ومالك امام دار الهجرة، وهدموا جميع ما بالمدينة ونواحيها وينبع وغيرها من القباب والمزارات والاضرحة. وكانوا قبل ذلك هدموا قبة حمزة عم النبي صلي الله عليه وآله وشهداء أحد، حيث أصبح مشهد حمزة والشهداء والجامع الذي بجانبه وتلك الأبنية كلها أثراً بعد عين، ولا يري الزائر لقبر حمزة اليوم إلاّ قبراً في برية علي رأس تل من تراب.

وتريثوا خوفا من عاقبة الأمر عن هدم قبة النبي صلي الله عليه وآله، ومنعواالزوار من الدنو إلي قبر النبي صلي الله عليه وآله وقبور أهل البيت عليهم السلام ولمسها وتقبيلها.

قال السيد الأمين: ان الجبرتي قال في تاريخه: لما استولت (الفرقة) علي المدينة المنورة هدموا القباب التي فيها وفي ينبع، ومنها قبة أئمة البقيع بالمدينة لكنهم لم يهدموا قبة النبي صلي الله عليه وآله، وحملوا الناس علي ما حملوهم عليه بمكة وأخذوا جميع ذخائر الحجرة النبوية وجواهرها، حتي انهم ملؤا أربع سحاحير من الجواهر المحلاّة بالألماس والياقوت العظيمة القدر(18).

وذكر الدكتور الأمين في كتابه (مكة ص 291) المواضع التي هدموها، فذكر ما ذكره السيد الأمين في كشف الارتياب وعددّها واضاف: انهم أبادوا قبور الشهداء في وادي بدر، كذلك هدموا مكان العريش التاريخي الذي نصب للنبي صلي الله عليه وآله القائد الاعظم.

وقال: وهدم أيضا بيت الأرقم بن أبي الأرقم عبد مناف بن أسد بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي، وكان من السابقين الأولين إلي الإسلام، وهو الذي استخفي رسول الله صلي الله عليه وآله في داره ـ وهي في أصل الصفا ـ والمسلمون متعه بمكة لما خافوا المشركين فلم يزالوا بها حتي كملوا أربعين رجلاً.

أقول:‌ ذكر عدد من المؤلفين ـ إضافةً علي من مرّ ذكره ـ قصة حادثة هدم قباب الأئمة في البقيع وباقي المعالم الإسلامية، منهم صاحب كتاب شجرة طوبي الشيخ محمد مهدي الحائري المازندراني في ص 174، وذكرها أيضا الشيخ محمد حسين المظفر في كتاب تاريخ الشيعة ص 118، وذكرها أيضاً صاحب العتبات المقدسة الخليلي في ص 344، وغيرهم.

وقد قيل في قضية هدم روضة‌ البقيع وما بقي من المشاهد في الحجاز بعض الأشعار، منها ما قاله السيد الأمين في كتاب كشف الارتياب ص 5:

قد حاولت والله مكمل نوره                           اطفاء نور ساطع لم يخمدِ

جرّت علي الإسلام أعظم ذلة                        بفعالها وأتت بكل تمرد

ساءت جميع المسلمين بفعلها                       ورمت قلوبهُمُ بجمرٍ موقدِ

لم يكف ما صنعت بهم أعداؤهم                      بحياتهم من كل فعل أنكد

حتي غدت بعد الممات خوارج                        في الظلم بالماضين منهم تقتدي

لم تحفظ المختار في أولاده                            وسواهم من أحمد لم يولد

هدمت قباباً فوقهم قد شيدت                           معقودة من فوق أشرف مرقد

فوق الإمام السيد الحسن الزكي                     ابن النبي ابن الإمام السيد

والعابد السجاد زين العابدين                          ابن الحسين الراكع المتهجد

والباقر العلم ابنه والصادق                           القول المفضل جعفر بن محمد

والسيد العباس عم محمد                              رب المفاخر والعلي والسؤدد

والحبر عبدالله حبر الأمة                             البحر الخضم ومرشد المسترشد

وصحابة‌ الهادي الذين بنصرهم                     للدين قد فازوا بأعذب مورد

والناصر المختار والد طالب                         عم النبي وحمزة المستشهد

والمطعم الحجاج عفواً سيد                           البطحاء معطي الرفد للمسترفد

وخديجة الغراء أم المؤمنين                          ومن سمت شرفاًَ مقام الفرقد

والطهر آمنة وعبدالله                                 يالله لليوم الفظيع الأسود

وأمام طيبة مالك وضريح                            اسماعيل نجل الصادق المتعبد

ولأمهات المؤمنين مكانة                              حكمت ببر في الوري وتودد

وبقبر حواء وهدم ضريحه                           باب المذمة عنهم لم يوصد

وقال شاعر يمدح المشاهد:

يا ربّ سهل زياراتي مشاهدهم                      فإن روحي تهوي ذلك الطينا

يا ربّ صيّر حياتي في محبتهم                      ومحشري معهم آمين آمينا

وقال شاعر آخر شعراً يمدح فيه الإمام الصادق عليه السلام في البقيع:

 عج بالمطي علي بقيع الفرقد                         واقر التحية جعفر ابن محمد

 وقل ابن بنت محمد ووصيه                          يا نور كل هداية لم تجحد

  يا صادقاً شهد الإلهُ بصدقه                           فكفي شهادة ذي الجلال الأمجد

وذكر الخليلي في كتاب العتبات المقدسة ص 115 أبياتاً للعيدي قال:

لي بالحجاز غرام لست أدفعه                        ينقاد قلبي له طوعاً ويتبعه

يهزني البرق مكياً تبسمه                             إذا تراءي حجازياً تطلعه

 وفي ربي يثرب غايات كل هوي                    يجل عن موقع الأشواق موقعه

 فق الشريعة والإسلام طالعة                       شموسه مستجاش النصر مُتْبَعهُ

حيث النبوة مضروب سرادقها                       والفضل شامخ طود الفخر أفرُغُه

وحيث كان طريق الوحي متضحاً                    بين السماء وبين الأرض مهيعه

وخاتم الأنبياء المصطفي شرفاَ                       محمد باهر الأشواق مضجعه

صلي الإله عليه ما تكرر بالصلاة                    فرض مصلٍ أو تطوعه

وللشفاعة أبواب مفتحة                               مشفع من بمعناها تشفعه

محل مقدسٍ وتشريف يجربه                         ذيل الجمال علي ذي المال يدفعه

عقيقه وقباه والبقيع وما يحد                         أحد لمن في الله مصرعه

مستنزل الفوز والغران مهبطه                       وملتقي كل رضوان ومجمعه

أحبه وأحب النازلين به                                وما تضم نواحيه واربُعُه


[1] . لسان العرب: ابن منظور، ص 462 ج1.

[2] . معجم البلدان: ياقوت الحموي، ص 473، ج1.

[3] . البحار:‌ المجلسي، ص 132 ج 19، طبع بيروت.

[4] . وفاء‌ الوفاء: السمهودي، ص 893 ج2.

[5] . وفاء ‌الوفاء: السمهودي، ص 916، ج2.

[6] . آثار المدينة المنورة: عبدالقدوس الأنصاري، ص 122.

[7] . وفاء الوفاء: السمهودي، ص 898، ج2.

[8] . وفاء الوفاء: السمهودي، ص 910، ج2.

[9] . البحار: المجلسي، ص 409، ج21، طبع بيروت.

[10] . وفاء الوفاء:‌ السمهودي، ص 910، ج2.

[11] . وفاء الوفاء: السمهودي، ص 915، ج2.

[12] . وفاء الوفاء: السمهودي، ص 918، ج2.

[13] . وفاء الوفاء: السمهودي، ص 930، ج2.

[14] . وفاء‌ الوفاء: السمهودي، ص 921، ج2.

[15] . تاريخ الشيعة: المظفر، 118.

[16] . صدق الخبر: عبدالله بن حسن باشا، ص 152 ـ 141 ـ 143.

[17] . العتبات المقدسة: الخليلي، ص 328.

[18] . كشف الارتياب: الأمين، ص 59.

الصفحة الرئيسية

للأعلى